الضوابط الشرعية الإسلامية في مباشرة المعاملات المالية (دين)

محمد ناصر ‏2024-01-15, 03:06 صباحا 278
الضوابط الشرعية الإسلامية في مباشرة المعاملات المالية (دين)

الضوابط الشرعية الإسلامية في مباشرة المعاملات المالية (دين)

لقد اشترط الشرع عدة ضوابط لمباشرة أي تصرف مالي يربط بين شخصين ضمانا لدوام المودة والألفة والوفاق ودفع العداوة والبغضاء والشقاق وإن من أهم تلك الضوابط ما يلي

أولا رضا العاقد هو المناط الشرعي في المعاملات المالية

إن انصراف وتوجه نية العاقد في تصرفاته المالية انصرافا وتوجها حرا صريحا سليما شرط في صحة تصرفه وانتقال ماله إلى الغير وهو ما يعبر عنه بالصيغة المكونة من اقتران القبول بالإيجاب اقترانا تاما واضحا متوافقا فالأصل أن مصالح الآدميين معصومة محمية لا يحل التصرف فيها والانتفاع بها إلا من جهة مالكها ولا يحل ذلك لغيره إلا بأسباب شرعية وهذه الأسباب ترجع إلى جهتين وهم

  • إما من جهة الشرع كالزكاة والكفارات والأخذ بالشفعة والحدود وهذه المصالح لا تتوقف فيما يتعلق بنفاذها على رضاء من وجبت عليه.
  • وإما من جهة المالك أو من ينوب عنه ولاية شرعية كالولي والوصي بالنسبة لفاقد الأهلية أو ناقصها أو ولاية اتفاقية وهي المسماه بالوكالة وذلك بأن يوافق موافقة صحيحة تامة على نقل ما يصح نقله إلى الغير على سبيل المعاوضة أو التطوع.

والحكمة من جعل الشرع التراضي مناطا في جميع المعاملات لأن في ذلك نزاهة للنفس والمجتمع وطهارته من أسباب النزاع لأن الاستيلاء على الأموال بغير موافقة أصحابها يؤدي إلى التنازع والتشاحن والتقاتل ولذا عقب الله تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بالنهي عن قتل أنفسهم في قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"

ويدل على أهمية الرضا في مباشرة التصرفات المالية بين الآدميين قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" وقوله تعالى "وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" ولما روي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" وعن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه"

ثانيا معلومية المحل شرط في العمليات التعاقدية

المراد بمحل التعاقد أو موضوع التعاقد أو المعقود عليه هو المال الذي يجري عليه التعاقد وهو يشمل السلعة أو الخدمة وثمنها ويشترط أن يكون معلوما للمتعاقدين علما نافيا للجهالة إما بالمشاهدة أو بالوصف فواجب بيانه جنسا ونوعا وصفة ومقدارا فمن أردا أن يتعاقد على شراء منزل فواجب أن تكون كل بيانات ذلك المنزل داخليا وخارجيا معلومة وواضحة وضوحا تاما للمتعاقدين وما أراد أن يتعاقد على شراء سيارة فواجب أن تكون بيانات تلك السيارة كاملة معلومة للمتعاقدين وهكذا في كل مال يكون موضوعا لعقد من العقود

ودليل هذا الضابط قول النبي صلى الله عليه وسلم "من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" ولأن الجهل ببيانات المعقود عليه تورث المنازعة والمنازعة تورث الفشل والضعف وكل ذلك منهي عنه بقول الله تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" ولأن جهالة المعقود عليه سبيل ومطية يتوصل بها إبليس وأعوانه في التحريش بين الناس وتلك هي بغيته وأمله أعاذنا الله منه

عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"

ثالثا القدرة على تسليم المعقود عليه شرط في العقد

يشترط منعا للتنازع والتشاحن وضمانة للوفاء وعدم الغدر في تنفيذ العقود أن يكون العاقد قادرا على تسليم المال الذي تم تعاقده عليه ومن ثم قلا يجوز العقد على شئ غير موجود أو غير قابل للوجود في زمن يمكن تنفيذ العقد عليه بلا منازعات ومشاحنات ذلك لأن الوفاء بالعقود مطلوب شرعا وعقلا لقول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" ولقوله تعالى "وبعهد الله أوفوا" وإن الشخص غير القادر على تسليم ما تواعد عليه يعد مخلفا للوعد مخلا بالعهد وكل ذلك منهي عنه شرعا بل يعد خصلة من خصال النفاق يقول النبي صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" ثم إن عدم القدرة على التسليم يؤدي إلى زعزعة الثقة وفقدانها بين الناس في التعامل ومعلوم أن الثقة هي أساس المعاملات المالية بين الناس.

رابعا قابلية محل التعامل لأحكام المعاملة شرعا

إن كافة الديانات السماوية والقوانين الإنسانية اشترطت في محل المعاملة أن يكون مشروعا أي قابل لأن تطبق عليه أحكام الشرع فما لا يبيح الشرع تملكه أو الانتفاع به لم يحجز أن يرد عليه العقد ولا تحل المعاملات المنطوية على مقاصد خبيثة أو على مقاصد مهدرة للمصالح العامة كمصالح الدين والنفس والعرض والنسل والمال وعلى هذا لا يحل بيع الخمر ولا شراؤه ولا يحل بيع العنب لم يصنعه خمرا ولا يبيع السلاح لشخص يقتل غيره بغير حق ولا إجارة المسكن لمن يتخذه وكرا لجريمة من الجرائم ولا بيع الأعضاء البشرية وإن كان التبرع بها بضوابط شرعية جائزا ولا عمليات تحويل الجنس وإن كانت عمليات تصحيح الجنس جائزة ولا عمليات التلقيح الصناعي بنطفة أو بويضة غير الزوجين وإن كان هذا جائزا فيما بين نطفة الزوج وبويضة الزوجة والأصل في ذلك أن الله عز وجل أباح للآدمين الطيبات من الرزق وحرم عليهم الخبائث بقوله تعالى "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" وقوله تعالى "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" وقوله تعالى "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون" فالقليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار كما جاء في الحديث "ما قل وكفى خير مما كثر وألهي" ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأني يستجاب لذلك "فالمعاملات المحرمة ممقونة فعلا وفاعلا ومستفيدا فالواجب اتقاء المعاملات المحرمة بكل صورها وأنماطها"

شارك المقالة