محتويات
إن تحليل التراث للمؤسسات التعليمية وعملية تطورها عبر العصور التاريخية - ولو بصورة موجزة – يسهم في فهم القضايا والمشكلات والظواهر والمؤسسات التي يهتم بها كل من علماء الاجتماع التربوي والمتخصصين في العديد من العلوم الاجتماعية الأخرى الذين يشاركون في نفس الاهتمام مع تباين نوعية تخصصاتهم العلمية، من ناحية أخرى، يسهم هذا التحليل للجذور التاريخية في معرفة الدور المتبادل بين المدرسة والمجتمع عبر العصور التاريخية ومدى تأثر المدرسة، بالنسق الاجتماعي الأكبر (المجتمع). باعتبارها نسق فرعي يتأثر ويؤثر بالضرورة في كل منهما الآخر.
كما يفسر في نفس الوقت، العلاقة الواقعية بين اهتمامات السلطة أو الدولة والأفراد والجماعات وكيفية تطويرهم للمؤسسات والنظم الاجتماعية من أجل تحديث أهدافها ووظائفها المتغيرة في المجتمعات التي توجد بها. وأخيراً يترجم الاهتمام بدراسة التطور التاريخي للمدرسة باعتبارها أهم المؤسسات التعليمية في المجتمع الحديث أبعاداً حقيقية وطبيعة عمليات التغير والتحديث ونظرياتها المختلفة والتي تهتم بدراسة ملامح التغير والتطور المستمر في كل من البناءات والنظم والمؤسسات والوظائف التي تقوم بها في مجتمعاتها بصورة عامة. ومن هنا سوف يكون لنا حديث مفصل عن تاريخ المؤسسات التعليمية بالتفصيل.
نبذة عن بداية ظهور المؤسسات التعليمية
يكشف التحليل السوسيوتاريخي للنشأة الأولى لظهور المدرسة في المجتمعات البشرية مع ظهور الحضارات القديمة مثل الفرعونية، والهندية، والصينية، والبابلية.
فنجد على سبيل المثال اهتمام الفراعنة بإنشاء أولى المدارس التي ظهرت في العالم، حيث أنشأوا عدداً كبيراً من المدارس في كل من منف، وهوليوبوليس، وسايس وغيرها وكانت تهدف هذه المدارس لإعداد وتخريج الكوادر الفنية والإدارية التي تحتاجها الدولة في إدارة مؤسساتها المختلفة.
كما ازدهرت مدارس العصور الوسطى الشرقية وأدت دورها التعليمي والتأهيلي وإحياء علوم وحضارة الدول الغربية بعد ذلك وهذا ما ظهر واضحاً في مدرسة الإسكندرية المصرية على سبيل المثال.
مقالات ذات صلة
كما اهتم الأقباط المصريين بالدور التعليمي والتنوير لأبناء المجتمع المصري عن طريق الكنائس وبرز اهتمامهم بالتعليم الفني والصناعي في مصر عن طريق إنشاء مدرسة للصناعة في القاهرة وكذا اهتم المسلمون منذ بداية ظهور الإسلام بإنشاء ما يعرف بالجوامع المدارس استناداً لما فعل ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأنشئت العديد منها في كل من البصرة والكوفة، وبلاد الشام والفسطاط، والقيروان، وقرطبة وغيرها.
كما أن لا أحد ينكر دور الجامع الأزهر كنوع من المدارس العليا والذي أنشأ في عهد الدولة الفاطمية وذلك في عام ۹۷۰ ميلادية، كما اهتمت الدولة الأموية بإنشاء ما يعرف بمدارس نظام الملك التي ركزت على إعداد الكوادر الفنية والإدارية التي تحتاجها الدولة وإدارتها المختلفة.
علاوة على ذلك، كانت هذه المدارس النواة الأساسية لإنشاء جامعات عربية إسلامية قوية مثل جامعة المستنصرية التي جمعت أربع مدارس اسلامية مختلفة وانتهجت لها منهجاً. كما ركزت الكنائس على إنشاء المدارس خاصة في المناطق الحضرية والرياضية حيث تكثر مصادر التمويل المالي.
التغيرات الرأسمالية الحديثة ودورها في السياسة التعليمية
مع زيادة ملامح التصنيع في فترات التحول نحو المجتمع الغربي الرأسمالي ونمو المناطق الحضرية كان الطلب على التعليم يزداد بصورة سريعة. هذا بالإضافة إلى رغبة الكثير من أبناء الطبقة الزراعية الميسورة وسعيهم للتعليم والالتحاق بالمدارس باعتبارها الوسيلة الأساسية للانتقال للحياة الحضرية بجميع مظاهرها.
وعموماً، أدت طبيعة الحياة الصناعية الحضرية إلى زيادة الطلب على اكتساب المهارات التعليمية والإدارية والمهنية واتساع نظام التعليم مع البدايات الأولى للقرن العشرين. وعموماً، كما يعكس لنا التحليل الموجز، التطور التاريخي للمدرسة ودورها في التعليم وانتشار الثقافة وارتباطها بطبيعة المجتمع الذي توجد فيه.
كذلك مع ظهور بوادر التصنيع والمجتمع الصناعي الحديث، تغير النظام المدرسي أو الدور الرئيسي للمدرسة حتى تكون وسيلة أساسية للحياة الحضرية والصناعية الجديدة، والتي تتطلب كفاءات وتخصصات تعليمية متميزة. الأمر الذي جعل دور التنشئة الاجتماعية والتربوية والثقافية للمدرسة يزداد بصورة معقدة ومضطردة في نفس الوقت.
كما ساعدت التشريعات الاجتماعية والسياسية على وضع العديد من السياسات التي تحد من عمليات تشغيل الأطفال، وزيادة برامج واستراتيجيات تعليم الكبار ومحو الأمية كما يتطلب ذلك، تغير طرق التدريس ومناهج التعليم لتعكس طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية المتغيرة وأصبحت المقررات الدراسية العلمية والمتخصصة ذات الاهتمام الأول في المدارس الحديثة.
طفرة القرن الواحد والعشرين في التعليم
في بداية الملامح الأولى للقرن الحادي والعشرون، ظهرت العديد من السياسات المحلية والأهلية والقومية التي تهتم بضرورة تغيير برامج ونظم الحياة المدرسية، بل تغيير الوظيفة الأساسية للمدرسة في المجتمع لاسيما بعد أن تهدمت عمليات التنشئة الاجتماعية الأسرية والمدرسية في نفس الوقت.
كما أدت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وزيادة روح الخصوصية والبعد عن الحياة الاجتماعية العائلية إلى تصدع الدور الوظيفي والبنائي للمدرسة، وظهرت عموماً أزمات التعليم الأساسي سواء في الدول النامية أو المتقدمة. ما دعى إلى ضرورة العناية والاهتمام بتلك الأزمات. وذلك حتى يحافظ التعليم على أهدافه ورسالته ومنهاجه.